وقفتُ علَى عتبَةِ العمرِ للحظةٍ. سألتُ نفْسِي منْ أكونْ؟ بعدَ كلّ هذا الوقْتِ الّذي مضى، وأنا أقلّبُ صفحاتِ الماضِي صفحةً صفحةً، وجدتُ نفْسِي جالساً على معقدٍ في مطارٍ، أقلّبُ صفحاتِ الجوازْ . كنت جالسا أنتظرُ أنْ أسمعَ ذلكَ الصوتَ الّذي يأتينَا ليخْبرنَا بقربِ إقلاعِ الطّائرة، كنتُ كمريضٍ خرج لتوّه من عمليّة صعبَةٍ معقّدةٍ، يهْذِي باسمِ الحياةْ .
نظرَ إليّ مطوّلاً، كانَ في عينيهِ كلامٌ كثيرٌ، لكنّه فجأةً توقّفْ، اختنقَ الحديثُ في حلقه، غصّة بدتْ لي ظاهرةً للعينْ، سألتهُ ودمعةٌ ما رأيتها تسلّلتْ على غيرٍ موعدٍ . أنتَ ذاهبٌ، أليسَ كذلك؟ رفعَ عينيهِ إلَى السّماءْ وقالْ لي: إنّهم يَطلبوننِي كيْ ألتحقَ بهمْ، ألاَ تسمعينَ صوْتهمْ يا سّلمى، ألا تسمعينْ؟
عادَ لتوّهِ من الجّبهة، يبدُو تعباً مرهقاً بعض الّشيءْ، هزيلاً فقد كانَ قبلَ سفرهِ مكتملاً، شيءٌ منْ زرقةِ عينيهِ مالَ إلى السّوادْ، وشعرهُ الأشقر الجميلْ لمْ يعدْ تماماً كذلك، غابتْ ضحكتهُ الجميلةُ الآسرة، وحضرتْ مكانها ابتسامةٌ خافتةٌ على شفيرِ الحزنْ
في إحدى القرى الصغيرة عرف حاكمها أن هناك مجاعة كبيرة على وشك الحدوث، وأخبر سكان القرية بهذا الخبر وأمرهم أن يعدوا أنفسهم لمجابهة المجاعة ويخزنوا الطعام والماء في قدر كبير جدا وضعه في وسط القرية .
ها أنت – أيها الربيع – . أقبلت ، فأقبلت معك الحياة بجميع صنوفها وألوانها : فالنبات ينبت ، والأشجار تورق وتزهر ، والهرة تموء ، والقمري يسجع ، والغنم يثغو ، والبقر يخور ، وكل أليف يدعو أليفه .